بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مدينة تلا على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات مدينة تلا على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
عبدالناصر خليفه | ||||
admin | ||||
saso | ||||
Mohamed Eissa | ||||
اخليفة عبدة الغرباوى | ||||
ابوالحسن سلام | ||||
محمد عمار | ||||
nasser44 | ||||
alybadr | ||||
ابراهيم المصرى |
المواضيع الأكثر شعبية
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 102 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو amirzayed فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 575 مساهمة في هذا المنتدى في 405 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 16 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 16 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 199 بتاريخ الخميس أكتوبر 31, 2024 7:11 pm
لماذا انا مسلم ؟
صفحة 1 من اصل 1
لماذا انا مسلم ؟
السلام عليكم
فحديثنا في هذه المقالة هو إجابة مختصرة جدًّا لسؤال ربما نحتاج أن نطرحه على أنفسنا، وربما يطرحه علينا الآخرون.. لماذا أنا مسلم؟ ولماذا لا أكون غير مسلم؟ ولماذا أختار الإسلام على ما سواه؟ ولماذا أقدم الإسلام على غيره؟
والإجابة: نعم.. أنا مسلم، أعتبر الإسلام دين الحق، وأرى أن من واجبي أن أؤمن به، وأن أدعو الناس إليه لعشرة أسباب:
أول هذه الأسباب:
أن هذا الإسلام هو دين الأنبياء والرسل، وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم وحده، ولهذا فحين أؤمن بالإسلام، فأنا أؤمن بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وسائر أنبياء الله أجمعين، ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ﴾ (الشورى: من الآية 13)، فإبراهيم عليه السلام هو الذي سمَّانا المسلمين من قبل، ويعقوب عليه السلام، هو الذي سأل أولاده ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: من الآية 133)، ويوسف عليه السلام هو الذي قال: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ (يوسف: 101)، وعيسى عليه السلام هو الذي نادى أنصاره وحوارييه﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: من الآية 52)، فأنا حين أؤمن بالإسلام أؤمن بموسى وأؤمن بعيسى وأؤمن بإبراهيم عليه السلام وأؤمن بنوح وأؤمن بسائر الأنبياء والرسل؛ ولهذا فأنا مسلم لأني أتبع هذه السلسلة الكريمة التي كانت خيرَ من وُجِدَ على هذه الأرض.
السبب الثاني:
أنا مسلم؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاءنا بعقيدة واضحة سهلة، تقبلها العقول، ويقرُّها المنطق السلم، وتتجاوب معها الفطرة المستقيمة، لا غموض فيها، ولا أحتاج أن أسأل عن معناها؛ لأنها في غاية الوضوح، عقيدة تقوم على أساس الإيمان برب واحد، له الخلق والتدبير، ولهذا فهو إلهٌ واحدٌ، له العبادة والتقدير، وذلك دون أن أدخل في معارك عقلية ونفسية لا أفهمها، هل هو واحد أو أكثر من واحد؟ وكيف يكون أكثر؟ وماذا تصنع الكثرة في قيادة هذه الدنيا؟ ومن الذي خلق؟ هو إله واحد.. قضية واضحة: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء: من الآية 22).
إله لا يمكن أن يكون مثلي ومثلك، يلد ويولد، بل إله واحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد..
إله يتعالى فوق خلقه، ويتعاظم فوق عباده، له وبيده الأمر كله، ولا يمكن أن ينال الناس منه..
إله عنده العدل المطلق، لا يحابي جنسًا.. هذه عقيدة الإسلام، عقيدة لا تفرِّق بين الأجناس ولا بين الألوان، ولا تجعل أحدًا يتحمَّل ذنب أحد.. عقيدة بسيطة واضحة تتجاوب مع الفطرة التي خُلِقْتُ أنا عليها وبل وخُلِقَ الكون عليها.. ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: من الآية 30)، وهي نفسها عقيدة الأنبياء لولا التحريف الذي أصاب الرسالات السابقة من بعض الأتباع.. يقول ربنا جل وعلا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25)، عقيدة التوحيد هي عقيدة في غاية الوضوح، وفي غاية النصاعة والظهور.
يسألنا رب العزة، وهو يدعونا إلى هذه العقيدة التي تقبلها العقول: من الذي خلق السماء؟ من الذي خلق الأرض؟ من الذي أجرى الأنهار؟ من الذي فعل كذا وكذا؟! ثم يقول: ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ﴾ يخاطب العقل.. أتُرى بعد هذا التدبير المحكم، وهذه الخليقة المنظمة، وهذه الحياة التي يسير الكون فيها بنظام محدد، أترى مع الله إلهًا آخر؟!
لا يمكن أن تتعدد الآلهة.. العقل لا يقبل أن يقول هذا، لا يمكن إلا أن يقول ربي الله، وأن يقول لا إله إلا الله، مهما أنكر المنكرون ومهما حاول المحاولون.
السبب الثالث:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جاء ليحقق لي الكرامة الإنسانية.. جاء ليحقق لي حريتي في هذه الدنيا، كرامتي على هذه الأرض، جاء الإسلام حربًا على كل صور العدوان، حربًا على كل صور الاستبداد الديني أو الفكري أو العقلي أو الاجتماعي، حربًا على كل صور الظلم التي تقع في المجتمعات.. جاء الإسلام يقول ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70)، جاء يقول: كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فرق بين أبيض وأسود، لا فرق بين عربي وعجمي، لا فرق بين قرشي وحبشي، وهذا أمرٌ يقبله العقل السليم، وترضاه الفطرة المستقيمة.. فإذا كنا جميعًا خرجنا من وعاء واحد، إذا كانت هذه البشرية كلها تناسلت من آدم وحواء، فما الذي يميِّز جنسًا على جنس؟ وما الذي يجعل لطائفة ميزةً على طائفة.. جاء الإسلام ليقول لا تميز.. بل الإنسان هو الإنسان، له كل الحرية، له كامل الكرامة، وحتى حين ضاعت البشرية في متاهات الانحراف واستعبد بعض الناس بعضًا، وصارت العبودية قانونًا سائدًا في هذا الكون، جاء ليقول: حتى هذا العبد الذي تشتريه هو أخوك.. صحيح أنك اشتريته بمالك وأنه يخدمك، ولكنه أخوك، هو ابن آدم وأنت ابن آدم؛ ولهذا فلا يحلُّ لك أن تأكل وهو جوعان، بل لا يحل لك أن تأكل من طعام وتطعمه من طعام أدنى منه، بل لا يحل لك أن تلبس ثيابًا فاخرة، وأن تلبسه ثيابًا رثة.. لا، "إخوانكم ****كم- أي خدمكم- ملَّككم الله إياهم، ولو شاء ملكهم إياكم".
حتى لما أضاع الناس حقائق الحرية واستعبد بعضهم بعضًا، وصار الرق نظامًا شائعًا في مجتمعات الدنيا جاء الإسلام ليقول: هذا الرق وهذا الفساد الذي حصل لا يبرِّر العدوان على هذا العبد، حتى وهو عبد، بل جاء يفتح له كل آفاق الحرية، كل من أذنب ذنبًا يقال له لكي تتوب فلا بد أن تعتق عبدًا من العبيد، ومن يُفطر في رمضان يقال له أعتق عبدًا من العبيد، والذي يظاهر من امرأته يقال له أعتق عبدًا من العبيد، والذي يحلف يمينًا ولا يبرّ بها يقال له أعتق عبدًا من العبيد.
بل أكثر من هذا جاء ليقنِّن التحرير لكل من أراد أن يتحرر، فأوجب الإسلام على الناس أنه إذا طالبكم العبد بأن يكون حرًّا وأن يشتري نفسه، وأن يدفع ثمن نفسه، فلا يحلُّ لكم أن تبقوه عبدًا؛ أي أن العبد الذي يأتي لسيده ويقول له: أنا أريد أن أكون حرًّا وسأعطيك ثمني؛ فلا يحل لسيده أن يقول له لا، بل يجب أن يستجيب له، ويجب أن يكاتبه على هذا.. يسميها الإسلام "المكاتبة" ﴿فَكَاتِبُوَهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ (النور: من الآية 33)، وليس هذا فقط، بل ويقول احترامًا للحرية الإنسانية وللكرامة الإنسانية: أيها الناس إذا خرج عبد من العبيد يريد أن يتحرر وأراد أن يشتري رقبته فساعدوه ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾.
جاء ليرفع الكرامة الإنسانية إلى أعلى مستوى.. فلماذا لا أكون مسلمًا وقد جاء الإسلام ليعظِّمَني، ليحترمني كإنسان، ليكرمني كإنسان، ليقف ضد كل أسباب الظلم التي حصلت في هذا العالم من تعدي فئة على فئة أو طائفة على طائفة، ولهذا فأنا مسلم؛ لأن ديني دين الحرية، دين الكرامة الإنسانية.
السبب الرابع:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء يساوي بين الناس مساواةً عمليةً، طبَّقها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم على نفسه أولاً.
جاء هذا الإسلام ليقول ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية 13).
جاء هذا الإسلام ليساوي بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الناس.
جاء هذا الإسلام ليمنع كل أسباب التميز الخاصة التي ادَّعاها بعض الناس، بل أكثر من هذا- وهذا أمرٌ في غاية الأهمية- ألغى الإسلام ورفض فكرة أن يكون بين الإنسان وبين الله واسطة؛ وذلك لأننا جميعًا أمام الله واحد، فلماذا يكون بيني وبين الله واسطة؟!
المساواة حتى في هذه القضية، فلا يوجد في الإسلام ما يسمى برجال الدين، فشيوخ الإسلام وعلماؤه ليسوا رجال دين بالمعنى المفهوم عند الناس في الديانات الأخرى؛ حيث إن رجال الدين في الديانات الأخرى هم الطريق إلى الله، فلا تستطيع أن تتوب من غير أن تقف بين يديه، وأن تعترف أمامه، وأن تقر أمامه، وأن تطلب منه أن يستغفر لك.. إلخ، هذا كله غير موجود في الإسلام، بل ولا مطلوب من الإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم موجود، لم يكن ذلك مطلوبًا من الشخص الذي يريد أن يتوب، بل له أن يتصل بالله مباشرةً، فلا يوسّط رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين ربه.
علماء الدين هم فقط يشرحون للناس الدين، ويعرِّفون الناس الأحكام، ويعرِّفون الناس حقائق الإسلام، ولكن ليسوا رجال كهنوت، ليس بأيديهم غفران الذنب، وليس في أيديهم صكوك يُدخلون بها من شاءوا الجنة، ويخرجون بها من شاءوا من النار، بل هم بشر عاديون، بل في الإسلام، ربما سبق الإنسان العادي العالم الكبير إذا أحسن بالله صلته، وتجاوب مع نداء فطرته.. يقول لنا الحبيب: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرَيْنِ- أي ثوبين ممزَّقين- لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ"، ربما واحد حسن الصلة بالله، ضعيف ولا يعيره الناس اهتمامًا، لكنه لو توجَّه إلى الله وأقسم عليه لاستجاب الله له، فالإسلام يرفض هذه الوساطة بين الله وبين الخلق، ولهذا تقبله الفطرة.
أنا لست مطالَبًا بأن أقرَّ بذنبي أمام أحد، إلا أمام الله عز وجل، ولست مطالبًا بأن أطلب شيئًا من أحد إلا من الله، وهذا تكريمٌ للإنسان؛ ولهذا فأنا مسلم.
فأنا مسلم لأني أحب أن تكون علاقتي بالله علاقةً مباشرةً، حتى عندما أمرنا الله بالدعاء، يقول ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185)، فلم يقل الله عز وجل وإذا سألك عبادي عني فقل لهم إني قريب، وإنما رفع الواسطة حتى في هذه الكلمة، إنما أجاب مباشرةً فإني قريب، لا يحتاج إلى واسطة، لا يحتاج أن نفضح أنفسنا أمام أحد، ولا أحد بيده شيء سوى الله؛ ولهذا فأنا مسلم.
السبب الخامس:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين العظيم جاء حربًا على الجهل والخرافات والسخافات والأباطيل التي روَّجها الجهلة في كل العصور، جاء داعيًا إلى العلم والإبداع، إلى إعلاء شأن العلم والابتكار؛ لأنه نزل أول ما نزل داعيًا إلى القراءة والابتكار ﴿اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 1-5)، جاء هذا الدين يدعو البشرية إلى أن تستكشف آيات الله في الكون، فالأرزاق يقول الله إنه قدرها في الأرض؛ وعلى البشرية أن تفكر في كيفية استخراج أقواتها وكنوزها، والثمار التي أودعها الله في أرضه، يجب أن يكون العقل والعلم هو الرائد في هذا، جاء هذا القرآن الكريم ليقول ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ﴾ (فصلت: 53)، جاء ليقول خذ العلم من أي لسان، وعن أي وعاء؛ لأن هذه مصلحة البشرية، "الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، مهما كان الذي نطق بها، فالإسلام في هذا المجال لا يضع حكرًا ولا حذرًا من الاستفادة من كل الأمم، ومن كل العقول ومن كل الطاقات بل يعتبر العلم بذاته عبادةً، فالذي يطلب العلم مجرد الطلب للعلم ومجرد العمل على معرفة آيات الله في الكون، واستخراج نعم الله في هذه الحياة، فهذا في حدِّ ذاته عبادة، وربما سبق العلم في الأجر بعض النوافل من العبادات المعروفة كالصلاة وغيرها، وربما كان العالم والباحث الذي دلَّ البشرية على شيء من أسباب سعادتها أعظم عند الله من العابد الذي مكث في المسجد يصلي ويقرأ القرآن؛ لأنه كان أنفع للناس.
جاء الإسلام ليقول لا للخرافات.. الذين يتصورون أن هناك أرواحًا شريرةً تأتي وتحتاج أن يذهب إلى رجال الكهنوت ويضربوها.. إلخ، لا يوجد أرواح شريرة وأرواح سيئة، إنما يوجد ملائكة لا يمكن أن يفعلوا شيئًا إلا بأمر الله، خُلقوا لخدمة الناس، وخلقوا لحماية البشرية، وهناك جن وشياطين يسعون إلى الإضلال، أما فكرة الأرواح الخبيثة والشريرة، فالإسلام يرفض هذه الخرافة ويرفض هذه السخافات، ويقول للعقل: تحرَّر من الخرافات، وتحرَّر من الأوهام، انظر لهذا الكون، تعلَّم، خذ الحكمة؛ ولهذا فأنا مسلم؛ لأن هذا ما يتفق مع المنطق السليم ومع العقل المستقيم، لم يأتِ القرآن ليقول لا بد أن يؤمن الناس بأن الأرض صفاتها كذا وكذا، ولكنه ترك لي المجال في العقل لأكتشف آفاق الكون.
السبب السادس:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء بالأخلاق الكريمة التي تجعل الحياة على الأرض سعيدةً؛ فالعدالة الاجتماعية لا تجدها في أي دين كما تجدها في الإسلام، فاعتبر الإسلام صلة الرحم طاعةً لله ومن قطعها قطعه الله، وهذه إحدى آفات المجتمعات الحديثة بأنه لا أرحام، والإسلام لا يعتبر صلة الرحم تفضلاً من الإنسان، وإنما يعتبرها واجبًا من واجباته الشرعية، الإسلام يعتبر العلاقة مع الجيران واجبًا من الواجبات الشرعية، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يوصيني بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"، الإسلام يعتبر أداء العمل على الوجه المتقن لما فيه مصلحة الناس من العبادات "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، الإسلام يعتبر قضاء حاجات الناس وتهوين الصعاب لهم وتيسير الأمور عليهم من العبادات التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى وتسبق قدر الاعتكاف في المساجد.. هذه أخلاق اجتماعية لو تحقَّقت لعاش الناس في الدنيا في جنة.. هكذا جاء الإسلام، ولهذا فأنا مسلم.
السبب السابع:
أنا مسلم؛ لأني أحب أن يسود في الناس العدل والوئام والسلام والمودة، التبادل الطيب للمنافع، ترك السيئات، الحياة بلا جريمة، وهذه لا تتحقق إلا في الإسلام، ويومًا ما ولَّى سيدنا أبو بكر سيدنا عمر القضاء، قال له تولّ القضاء في المسلمين، وبعد فترة يسيرة جاء عمر يقدم استقالته، فقال له أبو بكر: أمِنْ مشقَّة القضاء تطلب الإعفاء؟ هل القضاء شاقٌّ عليك فتريد أن تستقيل؟ قال لا يا خليفة رسول الله، ليس القضاء شاقًّا، ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ماله فأخذه وما عليه فأعطاه، إذا غاب أحدهم تفقَّدوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج واسوه، وإذا أخطأ سدَّدوه، دينهم النصيحة، فلماذا يختصمون؟
جاء الإسلام بأخلاق توجد مجتمعًا من الأطهار الأبرار على هذه الأرض لو طبَّقه أهله، وقد طبقوه وها قد رأينا دولةً كاملةً لا يجد القاضي فيها عملاً؛ لأن الأمة أدركت حقيقة دينها، ولهذا فأنا مسلم.
السبب الثامن:
أنا مسلم؛ لأني أحب حياةً يعيش فيها الناس آمنين على أنفسهم، لا يلتفتون خوفًا من مكر ماكر أو غدر غادر، يحمل الغني فيها الفقير، ويحمل القوي الضعيف، يأخذ فيها العالم بيد الجاهل، هذه هي الحياة التي أحبها، والإسلام هو الذي جاء بهذه الحياة، وهو الذي دعا لهذه الحياة، ولهذا فأنا مسلم.
السبب التاسع:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء بمرونة كبيرة جدًّا فيما يتعلق بأمور الحياة، ليعطيني الحق في إصلاح حياتي على الوجه الذي أحبه، فقد ميَّز الإسلام بين أمرين، بين ما هو من خصائص العبادة لله، وما هو من أمور الوحي التي جاءت واضحةً لا يجوز للإنسان أن يخالفها، وبين أمور الحياة الخاضعة للتجربة، الخاضعة للاكتشاف، فقال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم" فلم يغلق عليَّ الباب كما فعلت الديانات الأخرى؛ بحيث إن كل من كان يفكر في اكتشاف الجديد ربما أُحرق حيًّا، ولعلَّ بعضكم سمع بما كان يسمى بمحاكم التفتيش.. التفتيش حتى على العقول، أما الإسلام فلا.. الإسلام جاء فيما يتصل بالزراعة والصناعة وأمور المعاش وما يحتاجه الناس من طب وغيره فقال "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وعليكم أن تجتهدوا في تحسين هذه الشئون وفي إصلاح هذه المعايش، وأن ترجعوا إلى أهل الاختصاص فيما يناسب الأمة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: من الآية 43)، ولهذا فأنا مسلم.
أنا مسلم؛ لأن ديني لا يمنعني من التقدم والرقي باستمرار، لا يمنعني من الاستفادة من كل المنجزات الإنسانية والحضارية التي تريحني وتسعدني، فلماذا لا أكون مسلمًا؟!
السبب العاشر:
أنا مسلم؛ لأن الكتاب الذي هو آية هذه الرسالة (القرآن)، إذا قرأه المتأمل العاقل تيقَّن يقينًا لا شك فيه أن هذا هو الحق، فلا تجد في الإسلام دعوةً إلى شرٍّ، ولا تجد في الإسلام نهيًا عن خير، ما من شيء حسَّنه القرآن إلا والعقول السليمة تشهد أنه حسن، وما من شيء قبَّحه الإسلام إلا والفطر المستقيمة تشهد أنه قبيح.. صحيح هناك بعض الناس تفسد فطرتها وتنتكس أخلاقها فترى الخير شرًّا والشر خيرًا، لكن يبقى المجموع العام للبشرية الحق والباطل والخير والشر، وترى أن كل ما جاء في هذا القرآن هو دعوة إلى خير وهو نهي عن شر.. ولهذا فأنا مسلم.
ثم إن الأيام ما تزال تكشف عن نبوءات ذكرها القرآن وتحقَّقت كما ذكر، لم يكن الناس وقت نزول القرآن يعرفونها، والأيام يومًا بعد يوم تكشف عنها وتفصح عنها، فلم يأتِ في وقتٍ من الأوقات شيءٌ على الإطلاق، لا علميًّا ولا تاريخيًّا، ينقض حرفًا من القرآن الكريم، بل كلما ازداد الناس علمًا ازدادوا يقينًا بأن هذا هو الحق، فحين اكتشف الناس الفضاء وحين تجاوزوا هذه الآماد الأرضية وخرجوا إلى هذا الكون الفسيح، فماذا رأوا إلا ما ذكره القرآن وتحدث عنه القرآن.. هذا القرآن جاء بنبوءات كثيرة تحققت في دنيا الواقع وهذا يشهد له أنه حق.
أيها الإخوة.. أنا مسلم؛ لأن الإسلام هو الحق، لأن الإسلام هو الذي يحترمني كإنسان، ويحفظني كإنسان، ويمنعني كإنسان من الاعتداء على الإنسان، هو الذي يجعل الحياة حياةً كريمةً، لا يسودها ظلم من طبقة لطبقة، ولا من فئة لفئة.
هذا هو الإسلام، وهذه هي حقيقة الإسلام التي من تدبَّر فيها علم أنها هي الحق الذي لا ريب فيه، ولقد صدق توماس كارليل ذلك المستشرق الإنجليزي في القرن التاسع عشر الذي قال: إنه يعتقد يقينا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن مدعيًا زائفًا، إنما كانت رسالته رسالة حق، ويقول في التدليل على هذا: لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى شعب من الجفاة الأغبياء المنحصرين في الصحراء، فصنع منهم أمةً حضاريةً متقدمةً؛ أليس هذا كافيًا بأن دينه هو دين التقدم والرقي والحضارة، بل يقول برنارد شو هذا المستشرق الإنجليزي أيضًا، يقول: لو لم يكن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دينًا لكان في أخلاق الناس حسنًا، ولاحتاجت البشرية إليه.
وهو الذي يقول أيضًا: لو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عاش في عصرنا هذا، لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجانًا من القهوة.
هذا هو ديننا
أيها الأحبة.. ولهذا فنحن نؤمن به، ونستمسك به، ونعض عليه بالنواجذ، وندعو الناس إليه، ندعو الناس إلى الحياة السعيدة، ندعو الناس إلى المحبة.. إلى المودة، إلى التسامح، إلى الحياة الخالية من الجرائم، إلى الحياة الخالية من التطاحن والحروب والمعارك.. ندعو الناس إلى الإسلام، دين العقل دين الفطرة، دين الإنسانية.
لعلي أيها القارئ الكريم أكون قد أجبت عن السؤال الذي طرحته في البداية، وإن كنت قد اختصرت قدر الإمكان، وإلا ففضائل الإسلام وعظمة الإسلام وبيان حاجة البشرية إلى الإسلام، أمرٌ لا تكفيه مقالة ولا كتاب ولا عشرات ولا مئات المقالات.
واجبنا نحو هذا الدين
لا بد من النظر إلى هذا الدين بعين الإنصاف.. فهذا الدين هو الحاجة الأساسية لهذه البشرية المغلوبة على أمرها.. هذه البشرية التي لا تُسمَع فيها إلا أخبار القتل والدماء في مشارق الدنيا وغربها.. هذه البشرية التي صارت تتطاحن وتتعارك وتتقاتل كأنه ليس فيها دم ولحم ولا أحاسيس.. هذه البشرية التي صارت تُرى فيها الجثث المنثورة والدماء المهدرة، ولا يتحرك قلب ولا يطرف جفن، وصارت مناظر هذه الدماء لهذه البشرية أشياء عادية.. هذه البشرية التي غلظ شعورها وقست قلوبها وتغيَّرت عن عهدها التي فطرها الله عليه؛ في حاجة لهذا الدين.
نعم.. أنا مسلم، وأدعو الناس إلى الإسلام، وأقول لكل واحد غير مسلم: حين تؤمن بمحمد فأنت لا تكفر بموسى ولا بعيسى، بل تؤمن يقينًا بموسى وعيسى وإبراهيم، بل هذا هو الإيمان الحقيقي.. وهذا واجبنا أيها الإخوة.. هذا واجب كل مسلم أن يشرح للناس جمال الإسلام.. وأفضل وسيلة لشرح جمال الإسلام قبل الخطاب والكلام أن تكون قدوةً في تعاملك مع الناس، أن تحاول أن تطبِّق هذا الإسلام في سلوكك، تطبِّق هذه المعاني في حياتك وأنت تتعامل مع الناس.
إنني لو جاءني رجل يلبس ثيابًا حقيرةً رثةً، وقال لي إنه يملك الثروات لَمَا صدقته؛ لأنه لو كان صادقًا للبس ثيابًا تناسب حاله، ولو أنه جاءني بأدلَّة ومستندات تثبت أنه صاحب مليارات؛ لازداد احتقارًا في عيني؛ إذ لم يستفِد من هذا الخير، ولم يظهر أثر نعمة الله عليه.. وهكذا أقول للمسلم الذي يدعو ويقول أنا مسلم وأحب الإسلام، ثم يظهر أمام الناس بغير أخلاق الإسلام.. قل لي كيف يصدق الناس جمال الإسلام إذا كان هذا الجمال لا ينطبع في سلوكي كمسلم ولا يظهر في أخلاقي ولا يتبين في معاملاتي؟!
إذا جئت لغير المسلم بآلاف الأدلة على جمال الإسلام وعلى أخلاق الإسلام، وكنت في تعاملك معه فظًّا غليظًا جافيًا، فهل سيصدق كلامك؟!
إن أبلغ رسالة نتقدم بها للبشرية، كل واحد فينا، وهي ليست صعبة، ولا يملك أحد أن يعتذر عنها؛ أن نكون قدوةً نطبِّق هذا الدين؛ أفكاره وأخلاقه ومبادئه وسلوكياته ومعاملاته، فهذا هو السبيل لفتح قلوب الناس لهذا الدين.
أسأل الله عز وجل أن يشرح له صدور العباد، وأن يفتح له أقطار البلاد، وأن يرد خلقه إلى الإسلام مردًّا جميلاً.
أسأل الله أن يوفقنا لهذا، وأن يعيننا عليه، وأن يجعلنا إن شاء الله من الدعاة إليه والدالِّين عليه.. إنه على كل شيء قدير.
ولاتنسونا من صالح دعائكم
فحديثنا في هذه المقالة هو إجابة مختصرة جدًّا لسؤال ربما نحتاج أن نطرحه على أنفسنا، وربما يطرحه علينا الآخرون.. لماذا أنا مسلم؟ ولماذا لا أكون غير مسلم؟ ولماذا أختار الإسلام على ما سواه؟ ولماذا أقدم الإسلام على غيره؟
والإجابة: نعم.. أنا مسلم، أعتبر الإسلام دين الحق، وأرى أن من واجبي أن أؤمن به، وأن أدعو الناس إليه لعشرة أسباب:
أول هذه الأسباب:
أن هذا الإسلام هو دين الأنبياء والرسل، وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم وحده، ولهذا فحين أؤمن بالإسلام، فأنا أؤمن بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وسائر أنبياء الله أجمعين، ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ﴾ (الشورى: من الآية 13)، فإبراهيم عليه السلام هو الذي سمَّانا المسلمين من قبل، ويعقوب عليه السلام، هو الذي سأل أولاده ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: من الآية 133)، ويوسف عليه السلام هو الذي قال: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ (يوسف: 101)، وعيسى عليه السلام هو الذي نادى أنصاره وحوارييه﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: من الآية 52)، فأنا حين أؤمن بالإسلام أؤمن بموسى وأؤمن بعيسى وأؤمن بإبراهيم عليه السلام وأؤمن بنوح وأؤمن بسائر الأنبياء والرسل؛ ولهذا فأنا مسلم لأني أتبع هذه السلسلة الكريمة التي كانت خيرَ من وُجِدَ على هذه الأرض.
السبب الثاني:
أنا مسلم؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاءنا بعقيدة واضحة سهلة، تقبلها العقول، ويقرُّها المنطق السلم، وتتجاوب معها الفطرة المستقيمة، لا غموض فيها، ولا أحتاج أن أسأل عن معناها؛ لأنها في غاية الوضوح، عقيدة تقوم على أساس الإيمان برب واحد، له الخلق والتدبير، ولهذا فهو إلهٌ واحدٌ، له العبادة والتقدير، وذلك دون أن أدخل في معارك عقلية ونفسية لا أفهمها، هل هو واحد أو أكثر من واحد؟ وكيف يكون أكثر؟ وماذا تصنع الكثرة في قيادة هذه الدنيا؟ ومن الذي خلق؟ هو إله واحد.. قضية واضحة: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء: من الآية 22).
إله لا يمكن أن يكون مثلي ومثلك، يلد ويولد، بل إله واحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد..
إله يتعالى فوق خلقه، ويتعاظم فوق عباده، له وبيده الأمر كله، ولا يمكن أن ينال الناس منه..
إله عنده العدل المطلق، لا يحابي جنسًا.. هذه عقيدة الإسلام، عقيدة لا تفرِّق بين الأجناس ولا بين الألوان، ولا تجعل أحدًا يتحمَّل ذنب أحد.. عقيدة بسيطة واضحة تتجاوب مع الفطرة التي خُلِقْتُ أنا عليها وبل وخُلِقَ الكون عليها.. ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (الروم: من الآية 30)، وهي نفسها عقيدة الأنبياء لولا التحريف الذي أصاب الرسالات السابقة من بعض الأتباع.. يقول ربنا جل وعلا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25)، عقيدة التوحيد هي عقيدة في غاية الوضوح، وفي غاية النصاعة والظهور.
يسألنا رب العزة، وهو يدعونا إلى هذه العقيدة التي تقبلها العقول: من الذي خلق السماء؟ من الذي خلق الأرض؟ من الذي أجرى الأنهار؟ من الذي فعل كذا وكذا؟! ثم يقول: ﴿أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ﴾ يخاطب العقل.. أتُرى بعد هذا التدبير المحكم، وهذه الخليقة المنظمة، وهذه الحياة التي يسير الكون فيها بنظام محدد، أترى مع الله إلهًا آخر؟!
لا يمكن أن تتعدد الآلهة.. العقل لا يقبل أن يقول هذا، لا يمكن إلا أن يقول ربي الله، وأن يقول لا إله إلا الله، مهما أنكر المنكرون ومهما حاول المحاولون.
السبب الثالث:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جاء ليحقق لي الكرامة الإنسانية.. جاء ليحقق لي حريتي في هذه الدنيا، كرامتي على هذه الأرض، جاء الإسلام حربًا على كل صور العدوان، حربًا على كل صور الاستبداد الديني أو الفكري أو العقلي أو الاجتماعي، حربًا على كل صور الظلم التي تقع في المجتمعات.. جاء الإسلام يقول ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70)، جاء يقول: كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فرق بين أبيض وأسود، لا فرق بين عربي وعجمي، لا فرق بين قرشي وحبشي، وهذا أمرٌ يقبله العقل السليم، وترضاه الفطرة المستقيمة.. فإذا كنا جميعًا خرجنا من وعاء واحد، إذا كانت هذه البشرية كلها تناسلت من آدم وحواء، فما الذي يميِّز جنسًا على جنس؟ وما الذي يجعل لطائفة ميزةً على طائفة.. جاء الإسلام ليقول لا تميز.. بل الإنسان هو الإنسان، له كل الحرية، له كامل الكرامة، وحتى حين ضاعت البشرية في متاهات الانحراف واستعبد بعض الناس بعضًا، وصارت العبودية قانونًا سائدًا في هذا الكون، جاء ليقول: حتى هذا العبد الذي تشتريه هو أخوك.. صحيح أنك اشتريته بمالك وأنه يخدمك، ولكنه أخوك، هو ابن آدم وأنت ابن آدم؛ ولهذا فلا يحلُّ لك أن تأكل وهو جوعان، بل لا يحل لك أن تأكل من طعام وتطعمه من طعام أدنى منه، بل لا يحل لك أن تلبس ثيابًا فاخرة، وأن تلبسه ثيابًا رثة.. لا، "إخوانكم ****كم- أي خدمكم- ملَّككم الله إياهم، ولو شاء ملكهم إياكم".
حتى لما أضاع الناس حقائق الحرية واستعبد بعضهم بعضًا، وصار الرق نظامًا شائعًا في مجتمعات الدنيا جاء الإسلام ليقول: هذا الرق وهذا الفساد الذي حصل لا يبرِّر العدوان على هذا العبد، حتى وهو عبد، بل جاء يفتح له كل آفاق الحرية، كل من أذنب ذنبًا يقال له لكي تتوب فلا بد أن تعتق عبدًا من العبيد، ومن يُفطر في رمضان يقال له أعتق عبدًا من العبيد، والذي يظاهر من امرأته يقال له أعتق عبدًا من العبيد، والذي يحلف يمينًا ولا يبرّ بها يقال له أعتق عبدًا من العبيد.
بل أكثر من هذا جاء ليقنِّن التحرير لكل من أراد أن يتحرر، فأوجب الإسلام على الناس أنه إذا طالبكم العبد بأن يكون حرًّا وأن يشتري نفسه، وأن يدفع ثمن نفسه، فلا يحلُّ لكم أن تبقوه عبدًا؛ أي أن العبد الذي يأتي لسيده ويقول له: أنا أريد أن أكون حرًّا وسأعطيك ثمني؛ فلا يحل لسيده أن يقول له لا، بل يجب أن يستجيب له، ويجب أن يكاتبه على هذا.. يسميها الإسلام "المكاتبة" ﴿فَكَاتِبُوَهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ (النور: من الآية 33)، وليس هذا فقط، بل ويقول احترامًا للحرية الإنسانية وللكرامة الإنسانية: أيها الناس إذا خرج عبد من العبيد يريد أن يتحرر وأراد أن يشتري رقبته فساعدوه ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾.
جاء ليرفع الكرامة الإنسانية إلى أعلى مستوى.. فلماذا لا أكون مسلمًا وقد جاء الإسلام ليعظِّمَني، ليحترمني كإنسان، ليكرمني كإنسان، ليقف ضد كل أسباب الظلم التي حصلت في هذا العالم من تعدي فئة على فئة أو طائفة على طائفة، ولهذا فأنا مسلم؛ لأن ديني دين الحرية، دين الكرامة الإنسانية.
السبب الرابع:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء يساوي بين الناس مساواةً عمليةً، طبَّقها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم على نفسه أولاً.
جاء هذا الإسلام ليقول ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية 13).
جاء هذا الإسلام ليساوي بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الناس.
جاء هذا الإسلام ليمنع كل أسباب التميز الخاصة التي ادَّعاها بعض الناس، بل أكثر من هذا- وهذا أمرٌ في غاية الأهمية- ألغى الإسلام ورفض فكرة أن يكون بين الإنسان وبين الله واسطة؛ وذلك لأننا جميعًا أمام الله واحد، فلماذا يكون بيني وبين الله واسطة؟!
المساواة حتى في هذه القضية، فلا يوجد في الإسلام ما يسمى برجال الدين، فشيوخ الإسلام وعلماؤه ليسوا رجال دين بالمعنى المفهوم عند الناس في الديانات الأخرى؛ حيث إن رجال الدين في الديانات الأخرى هم الطريق إلى الله، فلا تستطيع أن تتوب من غير أن تقف بين يديه، وأن تعترف أمامه، وأن تقر أمامه، وأن تطلب منه أن يستغفر لك.. إلخ، هذا كله غير موجود في الإسلام، بل ولا مطلوب من الإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم موجود، لم يكن ذلك مطلوبًا من الشخص الذي يريد أن يتوب، بل له أن يتصل بالله مباشرةً، فلا يوسّط رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين ربه.
علماء الدين هم فقط يشرحون للناس الدين، ويعرِّفون الناس الأحكام، ويعرِّفون الناس حقائق الإسلام، ولكن ليسوا رجال كهنوت، ليس بأيديهم غفران الذنب، وليس في أيديهم صكوك يُدخلون بها من شاءوا الجنة، ويخرجون بها من شاءوا من النار، بل هم بشر عاديون، بل في الإسلام، ربما سبق الإنسان العادي العالم الكبير إذا أحسن بالله صلته، وتجاوب مع نداء فطرته.. يقول لنا الحبيب: "كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذي طِمْرَيْنِ- أي ثوبين ممزَّقين- لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ"، ربما واحد حسن الصلة بالله، ضعيف ولا يعيره الناس اهتمامًا، لكنه لو توجَّه إلى الله وأقسم عليه لاستجاب الله له، فالإسلام يرفض هذه الوساطة بين الله وبين الخلق، ولهذا تقبله الفطرة.
أنا لست مطالَبًا بأن أقرَّ بذنبي أمام أحد، إلا أمام الله عز وجل، ولست مطالبًا بأن أطلب شيئًا من أحد إلا من الله، وهذا تكريمٌ للإنسان؛ ولهذا فأنا مسلم.
فأنا مسلم لأني أحب أن تكون علاقتي بالله علاقةً مباشرةً، حتى عندما أمرنا الله بالدعاء، يقول ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185)، فلم يقل الله عز وجل وإذا سألك عبادي عني فقل لهم إني قريب، وإنما رفع الواسطة حتى في هذه الكلمة، إنما أجاب مباشرةً فإني قريب، لا يحتاج إلى واسطة، لا يحتاج أن نفضح أنفسنا أمام أحد، ولا أحد بيده شيء سوى الله؛ ولهذا فأنا مسلم.
السبب الخامس:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين العظيم جاء حربًا على الجهل والخرافات والسخافات والأباطيل التي روَّجها الجهلة في كل العصور، جاء داعيًا إلى العلم والإبداع، إلى إعلاء شأن العلم والابتكار؛ لأنه نزل أول ما نزل داعيًا إلى القراءة والابتكار ﴿اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 1-5)، جاء هذا الدين يدعو البشرية إلى أن تستكشف آيات الله في الكون، فالأرزاق يقول الله إنه قدرها في الأرض؛ وعلى البشرية أن تفكر في كيفية استخراج أقواتها وكنوزها، والثمار التي أودعها الله في أرضه، يجب أن يكون العقل والعلم هو الرائد في هذا، جاء هذا القرآن الكريم ليقول ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ﴾ (فصلت: 53)، جاء ليقول خذ العلم من أي لسان، وعن أي وعاء؛ لأن هذه مصلحة البشرية، "الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"، مهما كان الذي نطق بها، فالإسلام في هذا المجال لا يضع حكرًا ولا حذرًا من الاستفادة من كل الأمم، ومن كل العقول ومن كل الطاقات بل يعتبر العلم بذاته عبادةً، فالذي يطلب العلم مجرد الطلب للعلم ومجرد العمل على معرفة آيات الله في الكون، واستخراج نعم الله في هذه الحياة، فهذا في حدِّ ذاته عبادة، وربما سبق العلم في الأجر بعض النوافل من العبادات المعروفة كالصلاة وغيرها، وربما كان العالم والباحث الذي دلَّ البشرية على شيء من أسباب سعادتها أعظم عند الله من العابد الذي مكث في المسجد يصلي ويقرأ القرآن؛ لأنه كان أنفع للناس.
جاء الإسلام ليقول لا للخرافات.. الذين يتصورون أن هناك أرواحًا شريرةً تأتي وتحتاج أن يذهب إلى رجال الكهنوت ويضربوها.. إلخ، لا يوجد أرواح شريرة وأرواح سيئة، إنما يوجد ملائكة لا يمكن أن يفعلوا شيئًا إلا بأمر الله، خُلقوا لخدمة الناس، وخلقوا لحماية البشرية، وهناك جن وشياطين يسعون إلى الإضلال، أما فكرة الأرواح الخبيثة والشريرة، فالإسلام يرفض هذه الخرافة ويرفض هذه السخافات، ويقول للعقل: تحرَّر من الخرافات، وتحرَّر من الأوهام، انظر لهذا الكون، تعلَّم، خذ الحكمة؛ ولهذا فأنا مسلم؛ لأن هذا ما يتفق مع المنطق السليم ومع العقل المستقيم، لم يأتِ القرآن ليقول لا بد أن يؤمن الناس بأن الأرض صفاتها كذا وكذا، ولكنه ترك لي المجال في العقل لأكتشف آفاق الكون.
السبب السادس:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء بالأخلاق الكريمة التي تجعل الحياة على الأرض سعيدةً؛ فالعدالة الاجتماعية لا تجدها في أي دين كما تجدها في الإسلام، فاعتبر الإسلام صلة الرحم طاعةً لله ومن قطعها قطعه الله، وهذه إحدى آفات المجتمعات الحديثة بأنه لا أرحام، والإسلام لا يعتبر صلة الرحم تفضلاً من الإنسان، وإنما يعتبرها واجبًا من واجباته الشرعية، الإسلام يعتبر العلاقة مع الجيران واجبًا من الواجبات الشرعية، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يوصيني بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"، الإسلام يعتبر أداء العمل على الوجه المتقن لما فيه مصلحة الناس من العبادات "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، الإسلام يعتبر قضاء حاجات الناس وتهوين الصعاب لهم وتيسير الأمور عليهم من العبادات التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى وتسبق قدر الاعتكاف في المساجد.. هذه أخلاق اجتماعية لو تحقَّقت لعاش الناس في الدنيا في جنة.. هكذا جاء الإسلام، ولهذا فأنا مسلم.
السبب السابع:
أنا مسلم؛ لأني أحب أن يسود في الناس العدل والوئام والسلام والمودة، التبادل الطيب للمنافع، ترك السيئات، الحياة بلا جريمة، وهذه لا تتحقق إلا في الإسلام، ويومًا ما ولَّى سيدنا أبو بكر سيدنا عمر القضاء، قال له تولّ القضاء في المسلمين، وبعد فترة يسيرة جاء عمر يقدم استقالته، فقال له أبو بكر: أمِنْ مشقَّة القضاء تطلب الإعفاء؟ هل القضاء شاقٌّ عليك فتريد أن تستقيل؟ قال لا يا خليفة رسول الله، ليس القضاء شاقًّا، ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ماله فأخذه وما عليه فأعطاه، إذا غاب أحدهم تفقَّدوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج واسوه، وإذا أخطأ سدَّدوه، دينهم النصيحة، فلماذا يختصمون؟
جاء الإسلام بأخلاق توجد مجتمعًا من الأطهار الأبرار على هذه الأرض لو طبَّقه أهله، وقد طبقوه وها قد رأينا دولةً كاملةً لا يجد القاضي فيها عملاً؛ لأن الأمة أدركت حقيقة دينها، ولهذا فأنا مسلم.
السبب الثامن:
أنا مسلم؛ لأني أحب حياةً يعيش فيها الناس آمنين على أنفسهم، لا يلتفتون خوفًا من مكر ماكر أو غدر غادر، يحمل الغني فيها الفقير، ويحمل القوي الضعيف، يأخذ فيها العالم بيد الجاهل، هذه هي الحياة التي أحبها، والإسلام هو الذي جاء بهذه الحياة، وهو الذي دعا لهذه الحياة، ولهذا فأنا مسلم.
السبب التاسع:
أنا مسلم؛ لأن هذا الدين جاء بمرونة كبيرة جدًّا فيما يتعلق بأمور الحياة، ليعطيني الحق في إصلاح حياتي على الوجه الذي أحبه، فقد ميَّز الإسلام بين أمرين، بين ما هو من خصائص العبادة لله، وما هو من أمور الوحي التي جاءت واضحةً لا يجوز للإنسان أن يخالفها، وبين أمور الحياة الخاضعة للتجربة، الخاضعة للاكتشاف، فقال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم" فلم يغلق عليَّ الباب كما فعلت الديانات الأخرى؛ بحيث إن كل من كان يفكر في اكتشاف الجديد ربما أُحرق حيًّا، ولعلَّ بعضكم سمع بما كان يسمى بمحاكم التفتيش.. التفتيش حتى على العقول، أما الإسلام فلا.. الإسلام جاء فيما يتصل بالزراعة والصناعة وأمور المعاش وما يحتاجه الناس من طب وغيره فقال "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وعليكم أن تجتهدوا في تحسين هذه الشئون وفي إصلاح هذه المعايش، وأن ترجعوا إلى أهل الاختصاص فيما يناسب الأمة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: من الآية 43)، ولهذا فأنا مسلم.
أنا مسلم؛ لأن ديني لا يمنعني من التقدم والرقي باستمرار، لا يمنعني من الاستفادة من كل المنجزات الإنسانية والحضارية التي تريحني وتسعدني، فلماذا لا أكون مسلمًا؟!
السبب العاشر:
أنا مسلم؛ لأن الكتاب الذي هو آية هذه الرسالة (القرآن)، إذا قرأه المتأمل العاقل تيقَّن يقينًا لا شك فيه أن هذا هو الحق، فلا تجد في الإسلام دعوةً إلى شرٍّ، ولا تجد في الإسلام نهيًا عن خير، ما من شيء حسَّنه القرآن إلا والعقول السليمة تشهد أنه حسن، وما من شيء قبَّحه الإسلام إلا والفطر المستقيمة تشهد أنه قبيح.. صحيح هناك بعض الناس تفسد فطرتها وتنتكس أخلاقها فترى الخير شرًّا والشر خيرًا، لكن يبقى المجموع العام للبشرية الحق والباطل والخير والشر، وترى أن كل ما جاء في هذا القرآن هو دعوة إلى خير وهو نهي عن شر.. ولهذا فأنا مسلم.
ثم إن الأيام ما تزال تكشف عن نبوءات ذكرها القرآن وتحقَّقت كما ذكر، لم يكن الناس وقت نزول القرآن يعرفونها، والأيام يومًا بعد يوم تكشف عنها وتفصح عنها، فلم يأتِ في وقتٍ من الأوقات شيءٌ على الإطلاق، لا علميًّا ولا تاريخيًّا، ينقض حرفًا من القرآن الكريم، بل كلما ازداد الناس علمًا ازدادوا يقينًا بأن هذا هو الحق، فحين اكتشف الناس الفضاء وحين تجاوزوا هذه الآماد الأرضية وخرجوا إلى هذا الكون الفسيح، فماذا رأوا إلا ما ذكره القرآن وتحدث عنه القرآن.. هذا القرآن جاء بنبوءات كثيرة تحققت في دنيا الواقع وهذا يشهد له أنه حق.
أيها الإخوة.. أنا مسلم؛ لأن الإسلام هو الحق، لأن الإسلام هو الذي يحترمني كإنسان، ويحفظني كإنسان، ويمنعني كإنسان من الاعتداء على الإنسان، هو الذي يجعل الحياة حياةً كريمةً، لا يسودها ظلم من طبقة لطبقة، ولا من فئة لفئة.
هذا هو الإسلام، وهذه هي حقيقة الإسلام التي من تدبَّر فيها علم أنها هي الحق الذي لا ريب فيه، ولقد صدق توماس كارليل ذلك المستشرق الإنجليزي في القرن التاسع عشر الذي قال: إنه يعتقد يقينا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن مدعيًا زائفًا، إنما كانت رسالته رسالة حق، ويقول في التدليل على هذا: لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى شعب من الجفاة الأغبياء المنحصرين في الصحراء، فصنع منهم أمةً حضاريةً متقدمةً؛ أليس هذا كافيًا بأن دينه هو دين التقدم والرقي والحضارة، بل يقول برنارد شو هذا المستشرق الإنجليزي أيضًا، يقول: لو لم يكن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دينًا لكان في أخلاق الناس حسنًا، ولاحتاجت البشرية إليه.
وهو الذي يقول أيضًا: لو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم عاش في عصرنا هذا، لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجانًا من القهوة.
هذا هو ديننا
أيها الأحبة.. ولهذا فنحن نؤمن به، ونستمسك به، ونعض عليه بالنواجذ، وندعو الناس إليه، ندعو الناس إلى الحياة السعيدة، ندعو الناس إلى المحبة.. إلى المودة، إلى التسامح، إلى الحياة الخالية من الجرائم، إلى الحياة الخالية من التطاحن والحروب والمعارك.. ندعو الناس إلى الإسلام، دين العقل دين الفطرة، دين الإنسانية.
لعلي أيها القارئ الكريم أكون قد أجبت عن السؤال الذي طرحته في البداية، وإن كنت قد اختصرت قدر الإمكان، وإلا ففضائل الإسلام وعظمة الإسلام وبيان حاجة البشرية إلى الإسلام، أمرٌ لا تكفيه مقالة ولا كتاب ولا عشرات ولا مئات المقالات.
واجبنا نحو هذا الدين
لا بد من النظر إلى هذا الدين بعين الإنصاف.. فهذا الدين هو الحاجة الأساسية لهذه البشرية المغلوبة على أمرها.. هذه البشرية التي لا تُسمَع فيها إلا أخبار القتل والدماء في مشارق الدنيا وغربها.. هذه البشرية التي صارت تتطاحن وتتعارك وتتقاتل كأنه ليس فيها دم ولحم ولا أحاسيس.. هذه البشرية التي صارت تُرى فيها الجثث المنثورة والدماء المهدرة، ولا يتحرك قلب ولا يطرف جفن، وصارت مناظر هذه الدماء لهذه البشرية أشياء عادية.. هذه البشرية التي غلظ شعورها وقست قلوبها وتغيَّرت عن عهدها التي فطرها الله عليه؛ في حاجة لهذا الدين.
نعم.. أنا مسلم، وأدعو الناس إلى الإسلام، وأقول لكل واحد غير مسلم: حين تؤمن بمحمد فأنت لا تكفر بموسى ولا بعيسى، بل تؤمن يقينًا بموسى وعيسى وإبراهيم، بل هذا هو الإيمان الحقيقي.. وهذا واجبنا أيها الإخوة.. هذا واجب كل مسلم أن يشرح للناس جمال الإسلام.. وأفضل وسيلة لشرح جمال الإسلام قبل الخطاب والكلام أن تكون قدوةً في تعاملك مع الناس، أن تحاول أن تطبِّق هذا الإسلام في سلوكك، تطبِّق هذه المعاني في حياتك وأنت تتعامل مع الناس.
إنني لو جاءني رجل يلبس ثيابًا حقيرةً رثةً، وقال لي إنه يملك الثروات لَمَا صدقته؛ لأنه لو كان صادقًا للبس ثيابًا تناسب حاله، ولو أنه جاءني بأدلَّة ومستندات تثبت أنه صاحب مليارات؛ لازداد احتقارًا في عيني؛ إذ لم يستفِد من هذا الخير، ولم يظهر أثر نعمة الله عليه.. وهكذا أقول للمسلم الذي يدعو ويقول أنا مسلم وأحب الإسلام، ثم يظهر أمام الناس بغير أخلاق الإسلام.. قل لي كيف يصدق الناس جمال الإسلام إذا كان هذا الجمال لا ينطبع في سلوكي كمسلم ولا يظهر في أخلاقي ولا يتبين في معاملاتي؟!
إذا جئت لغير المسلم بآلاف الأدلة على جمال الإسلام وعلى أخلاق الإسلام، وكنت في تعاملك معه فظًّا غليظًا جافيًا، فهل سيصدق كلامك؟!
إن أبلغ رسالة نتقدم بها للبشرية، كل واحد فينا، وهي ليست صعبة، ولا يملك أحد أن يعتذر عنها؛ أن نكون قدوةً نطبِّق هذا الدين؛ أفكاره وأخلاقه ومبادئه وسلوكياته ومعاملاته، فهذا هو السبيل لفتح قلوب الناس لهذا الدين.
أسأل الله عز وجل أن يشرح له صدور العباد، وأن يفتح له أقطار البلاد، وأن يرد خلقه إلى الإسلام مردًّا جميلاً.
أسأل الله أن يوفقنا لهذا، وأن يعيننا عليه، وأن يجعلنا إن شاء الله من الدعاة إليه والدالِّين عليه.. إنه على كل شيء قدير.
ولاتنسونا من صالح دعائكم
عبدالناصر خليفه- عدد المساهمات : 353
نقاط : 987
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 22/08/2012
العمر : 44
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين يناير 19, 2015 3:36 am من طرف saso
» افتتاح احدث سوبر ماركت بتلا (سيتي ماركت )
الإثنين يناير 19, 2015 3:34 am من طرف saso
» نصائح للبنات الجامعية عند الذهاب للجامعه
السبت مارس 08, 2014 8:01 pm من طرف زائر
» تامر حسنى حبيبى يارسول الله
الأربعاء فبراير 05, 2014 8:46 pm من طرف saso
» ظهرت الان نتيجة الشهادة الابتدائية والشهادة الاعدادية بمحافظة المنوفية 2014 الترم الاول
الأربعاء فبراير 05, 2014 8:44 pm من طرف saso
» نتيجة الشهادة الابتدائية والشهادة الاعدادية بمحافظة المنوفية الترم الاول 2014
السبت فبراير 01, 2014 11:47 pm من طرف admin
» زعر في مدرسة تلا الثانوية للبنات للاشتباة بوجود قنبلة بالمدرسة
الإثنين ديسمبر 30, 2013 2:20 pm من طرف admin
» أهالي المنوفية يجبرون وزير التنمية الإدارية على تذوق الخبز المدعم ويرددون «إيه رأيك يا وزير»
الإثنين ديسمبر 23, 2013 10:52 pm من طرف admin
» أعجب حسن خاتمة مرت بي !
الأحد يونيو 09, 2013 11:21 am من طرف saso